“قراءة لما قاله البابا فرنسيس”
على طول الزمن طورت الحضارات أساطيرها الثقافية الخاصة بموروث ديني أو معتقدي، هذه التطورات كانت تأتي ومازالت على يدي العارفين المستنيرين المؤمنيين بالكون والمكون له، ولا يستطيع عامة الناس تقبلها إلا بعد مرور فترة من الزمن عليها ورؤيته للغير أو مثل أعلى لهم يعتنقها.
لنتذكر الجلبة التي حصلت قبل عام 2012 حين دأب الكثيرون على التخويف من نهاية العالم في تاريخ 21-12- 2012 وهو الأمر الذي كان يحتاج للكثير من التروي والتعمق ومعرفة الكون وكيف يعمل أكثر، لأن الأمر ببساطة كان لتحضير البشرية للدخول في دورة كونية مستنيرة يدخل فيها النور بشكل متزايد داخل الجسد ويركز بوجه التحديد لأجل إنشاء الجانب المادي للعروج.
عموما نتيجة التفعيل هي هدايا الروح التي ولدنا بها والتي ستجلبنا إلى التمكين الكامل. مواهبنا الفكرية والإبداعية سوف تكبر, قدراتنا على التطوير سوف تتطور, سيمكننا إسترداد حقنا المكتسب للإتصال الإلهي.
وعليه فإنه عصر جديد من السلام والهدوء يبزغ فجره على الأرض، بينما نتطور إلى كائنات من النور ونحن نتحرك من البذرة الآدمية إلى جسم آدم – كادمون من النور.
وهنا صلب ما صرّح به البابا فرنسيس، فالبتأكيد لم ينطق كلامه عن عبث أو عدم معرفة بالكون ودرايته التامة بها، ولنتذكر دائماً “أن الفاتيكان يحوي سرّ الأسرار”، لذلك يبدو اليوم أنه أخذ على عاتقه تزويد البشرية بمعلوماتٍ كانت للوقت تعتبر محرمات وخطيئة كبرى لمجرد التفكير بها.
ولنبدأ من قصتي آدم وحواء، لم يكن الجزم في آدم وحواء ليسا حقيقيين لمجرد رواية دينية وإنما الحقيقة المبتغاة هي التي أتت مع الكاباليين الذين كانوا مع فرسان الهيكل في ارض المقدس بحجة حماية الحجاج والذين آتوا بأسرار من هذه الأرض كانت في وقتها خطراً داهما على قوة الكنيسة وتعاظمها وبالتزامن مع عدم مجيء الوقت لنشرها للعوام ومعرفة غير الكنيسة بها، لذلك أحرقوا هؤلاء في 13 نيسان 1307.
وبالعودة إلى آدم فبحسب الأسرار قدمت من المقدس فقد قيل “إن البشر الكامل إسم أطلق على هذا البشر المماثل للإله، لإنه يشير إلى أسطورة “آدم” كأول رجل وامرأة (آدم بمعنى “العديد” في إشارة إلى الجنس البشري بأكمله) وعودتنا إلى تلك الحالة من الكينونة، وتشير الأسرار أيضا إلى “الكادمون” بمعنى “إتمام أو إكتمال”, وبذلك فإن آدم كادمون هو العودة إلى بدايتنا, ولكن عودة مع كل المعرفة والحكمة للعالم المادي مدمجة في كياننا الفيزيائي والروحاني.
وهو يتطابق مع ما تم شرحه في السابق.
الكثيرون سيقفون عند الكلام في الإعلى غير قادرين على الفهم وهذا أمر طبيعي فهذا الكلام يحتاج لمتخصصين ، ولكن وجب ذكره والآن لنتكلم بشكل أبسط في هذا الموضوع الجلل.
إن الحقيقة التي بدأت تعطى للعامة اليوم تحمل في طياتها أبعاداً تفوق الكلام الذي قيل، وقد بحث عنها الكثير ولمحوا لها ومنهم من قالوها بالحرف الواحد، واليوم يأتي ربما الرسول الجديد “البابا فرنسيس” لينقض وينقد السائد ليس بهدف الإساءة وإنما بقصد البناء السليم القائم على أسس حقيقية تحترم عامة الشعب الذين موّرس عليهم الكثير من الكذب، كما أنه قائم على فهمٍ وإحساس كامل بالمسؤولية تجاه الله والمسيح نفسه وثم شعبه.
أولاً – في بداية حديثه ذكر فرنسيس “أن الكنيسة لم تعد تعتقد في الجحيم حيث يعاني الناس، هذا المذهب يتعارض مع الحب اللّامتناهي للإله، الله ليس قاضيا ولكنه صديق ومحب للإنسانية، الله لا يسعى إلى الإدانة، وإنما فقط إلى الاحتضان، ونحن ننظر إلى الجحيم (جهنم) كتقنية أدبية، كما في قصة آدم وحواء” الأمر الذي شكل لنا خوفاً ورادعاً منذ الطفولة “لاتغلط الله بيحطك بالنار”
وعليه هل يستطيع أي واحدٍ منا أن يصدق أن الله المحب يحمل صفتي الخير والشر؟.. بالتأكيد لا، فطاقة الحب خالية تماماً من أي نسمة شر، كما أن البابا لم يجزم بالقول بل أتبعها بالقول “الجحيم(جهنم) مجرد كناية عن الروح المعزولة، والتي ستتحد في نهاية المطاف، على غرار جميع النفوس، في محبة الله” وهو الأمر القريب للعقل والقلب فعندما تنعزل الروح عن خالقها لفترة معينة فهو بذاته عقاب قاسي، لكن الرب الرحيم سيوحدها في النهاية مع جميع النفوس بمحبته.
أما ما يخص قوله في قصة آدم وحواء فالكلام صحيح مئة بالمئة فقصة آدم وحواء هي قصة تعود للأساطير السومرية القديمة التي أشارت الى أن الإنسان المخلوق من صلصال كان يتجول وحيدا مع الحيوانات في الحديقة عندما انتزعته الآلهة من حديقته إلى حديقتها ليقوم بخدمة الحديقة الإلهية والإشراف على المحاصيل وتقديمها في معابد الالهة، ومن حيث أن الألهة كانت ترتدي الملابس، ومن حيث أن اسكنوا الإنسان بجانبهم، تعلم الانسان أنه من الخطأ أن يكون عاريا وعليه أن يلبس الملابس حتى لايجرح مشاعر الآلهة ويغضبها، هذا الأمر يظهر وكأنه السيناريو الأول الذي نشأ عنه سيناريو آدم الديني لاحقا.
ولكي نكون عالمين أكثر فإن قصة طوفان نوح تعود في تفاصيلها إلى قصة الطوفان السومرية التي حاول اليهود المسبيين ثلاث مرات إلى بابل سرقتها وللتمويه عليها زادو من إرتفاعات السفينة وما حوته وكان الكاهنين عزرا ونحميا هما رأس الحربة، وإن كان من مشكك في هذا الكلام فما عليه إلا قراءت المزمور رقم 137 الحاقد المنتقم “على أنهار بابل هناك جلسنا، بكينا أيضاً عندما تذكرنا صهيون….. اذكر يارب لبني أدوم يوم أورشليم القائلين (هدوا هدوا حتى أساسها) يابنت بابل المخربة، طوبى لمن يجازيك جزاء جازيتينا! طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة!”
ثانياً – “إن جميع الأديان صحيحة وعلى حق، لأنها كذلك في قلوب كل الذين يؤمنون بها”.
وهو قولٌ يصل لدرجة الحق المطلق ويتطابق مع كلام المسيح عندما قال “آمن بالحجر تبرأ” فالإيمان هو الثقة بما يرجى، لذلك مالضيم في الإيمان بأي شيء موجد في هذا الكون؟ أليس هو الوجه المرئي لله وصنع يديه؟.. فلماذا لا نؤمن بكل شيءٍ فيه وذلك انطلاقاً من ذواتنا.
ثالثاً – “كنيستنا كبيرة بما يكفي لتسع ذوي الميول الجنسية الغيرية والمثليين جنسيا، وللمؤيدين للحياة ومؤيدي الإجهاض ! للمحافظين والليبراليين والشيوعيين الذين هم موضع ترحيب والذين انضموا الينا. نحن جميعا نحب ونعبد نفس الإله”.
والسؤال.. هل الله انتقائي في محبة البشر؟.. ألم يقل السيد المسيح “تعالوا إليّ أيها المتعبين وأنا أريحكم”.. ألم يقل عندما هاجمه الفريسيون وقالوا لتلاميذه “لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخطأة، فلما سمعهم يسوع قال لهم: (لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى.. فاذهبوا وتعلموا ماهو.. إني أريد رحمةً لا ذبيحةً، لأني لم آتِ لأدعوا أبراراً بل خطأةً إلى التوبة)”.
رابعاً – “الإنجيل كتاب مقدس جميل، لكنه ككل الأعمال العظيمة القديمة هناك بعض الأجزاء منه عفى عليها الزمن وتحتاج إلى تحيين، وهناك بعض المقاطع التي تدعو حتى إلى التعصب ونصب المحاكم.. آن الآوان لمراجعة هذه الآيات واعتبارها كزيادات لاحقة التي تتناقض مع رسالة الحب والحقيقة التي سطعت من خلال الكتابة”.
يعتبر هذا الكلام ثورة حقيقية في هذا العصر، يحتاجها كل إنسان إن كان لذاته أو لدينه أو لأهدافه أولقانون في بلدٍ ما أو أو…إلخ
أما فيما يخص الإنجيل فلا بد أن كلام السيد المسيح الذي جاء به هو صالحٌ لكل زمان ومكان لأنه روحاني محض، وهذا نتيجة مجيئه في سوريا المدنية العمرانية في ذلك الوقت التي لم تحتاج لتشريع مدني.
ولكن الإنجيل لا يحمل فقط كلام المسيح وإنما شهادات لتلامذته والرسل وهنا يجب التدقيق والمراجعة، فالكاتب والناقل هو ابن بيئته ومكانه وزمانه كما الرسول، لذلك فمن المؤكد أن الإنجيل يحوي أحكاماً ولى عليها الزمن، حتى أنها في بعض الأماكن تحتوي نقيض بعضها، لأن بعض الأناجيل حوت نسب المسيح وأعادته إلى داود، وبذات الوقت رفض المسيح أن يدعى ابن داود فقال في ذلك “كيف يقولون أن المسيح ابن داود، وداود نفسه يقول في كتاب المزامير (قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك) فإذا كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه!”
الأمر الأخير أن النسخ التي بين يدينا من الأناجيل هي التي قبلت في مجمع نيقيا ولكن في ذات الوقت رفض غيرها!
وعليه فإن كلام البابا عن التعصب يصب في نفس الخانة، فطبيعة كل إنسان اعتنق فكراً أو عقيدة جديدة يبدأ بالتعصب لها وهذه كانت ردة فعل الرسل الذين جاؤوا من خلفيات يهودية ووثنية، وهو الأمر الذي استمرت به الكنيسة، فكان الإيمان وقوانينها شماعة لأجل فرض الكثير من الأفكار والأفعال الغير مبررة ما أدخل المسيحية في صراعاتٍ دامية رغم بساطة فكرتها،فلم تنتهي منها أوروبا – تحديداً- إلا بعد 600 عام من الحروب والدم، كما أنه هناك قصة جلل حدثت في التاريخ المسيحي وهي قصة العالمة هيباتا الوثنية في الإسكندرية التي سحقت وسحلت وجلدت في الطريق أمام أعين الجميع وذلك بعد عظة متعصبة ألقاها أحد الأساقفة ضد الوثنيين وبالتحديد ضدها هاج الجموع واندفعوا كالقطيع وفعلوا بها ما فعلوا.
خامساً – “سوف نبدأ في ترسيم نساء “كرادلة” وأساقفة وكهنة، وآمل في المستقبل أن تكون لدينا في يوم من الايام امرأة “بابا”، فلتشرع الأبواب أمام النساء كما هي مفتوحة أمام الرجال”.
هنا كل الأهمية لأنها باختصار هي اعتراف غير مباشر بالألهة الأنثى “عشتار بكل أسمائها” التي كانت نبراس الحضارات السورية المتعاقبة والتي انطلقت من هنا إلى بقاع المعمورة ، ولكنها غيبت وطمست بدايةً مع ملحمة الخلق الأشورية، أما الأهم فكانت مع ظهور الإله المذكر “يهوه” عند اليهود وكتاب “تاريخ يهوه – لجورجي كنعان” شاهد على دمويته وتجبره.
إلا أن المسيحية أعادت للألهة الأنثى حقها إن كانت من خلال مريم العذراء أو المجدلية –إن اتفق البعض عليها أم لم يتفق- .
واليوم لايهم إن كانت الألهة أنثى أو ذكر فهي تحمل طاقة الحب المكونة من كلتا الطاقتين التي كونت الكون بأكمله، ولأن الإنسان صورة الله ومثاله فقد أعطانا ذات صفاته وميزنا عن باقي الخلق وجعلنا متساوين في محبته، ولنتذكر دائماً أن الدين هو علاقتنا الشخصية مع الخالق وليس لأحد تدخل فيها، فالله لم يفوض أحداً في ماهية محبته، فالكنيسة هي الداعية والإنسان إما هو مستجيب أو لا ، وإذا كان لا فليس لها الحق بفرض أفكارها وإيمانها عليه وهو أمر ينطبق على كل الأفكار والمعتقدات في هذا العالم، فنحن نولد أحرار ونملك الحق بالإيمان بمن نشاء وكيفما شاء.
في النهاية إن البابا فرنسيس ربما هو رسولٌ لشعوبٍ ضالة وثائرٌ حقيقي كالمسيح ومحمد، لذلك فلنتحضر لأفكار هذه الثورة وحقائقها علّنا نصل لمستوى هذا الكون الجلي.
ـــ ســـــنا الشــــامــي ـــ